الفلسطينيون يجب أن يميزوا أنفسهم

شهد العالم مؤخرا انعطافة في حدة تكتيكات بعض التنظيمات التي تصف نفسها بالإسلامية في كل من العراق وروسيا وإندونيسيا وبعض الدول العربية. فقد قتل المئات من المدنيين العراقيين بسبب عمليات انتحارية وسيارات مفخخة، وقتل خلال الأسبوع المنصرم أمريكيين من المخطوفين في العراق، كما تم مؤخراً إطلاق سراح رهينتين إيطاليتين بعد خطفهما والتهديد بقتلهما، وقبل ذلك جرت عملية قتل بشعة لاثني عشر نيباليا بعد اختطافهم، كما قتل مجموعة من الرهائن من سائقي شاحنات النقل الأتراك والعرب. كذلك أعدم صحفي إيطالي وخطف صحفيين فرنسيين ما زال مصيرهم معلق. وفي روسيا فجرت مجموعات إسلامية متطرفة طائرتين مدنيتين وقتلت جميع ركابهم، وقامت باحتجاز وخطف مئات من طلبة مدرسة ابتدائية في بيسلان، انتهت بمقتل المئات منهم. وفي الماضي القريب جرى تفجير بعض حافلات مترو الأنفاق في مدريد راح ضحيته العشرات، وحدثت عمليات تفجير واحتجاز رهائن في السعودية تسببت في مقتل العديد من الأبرياء. وبشكل عام فإن العديد من دول العالم وشعوبها أصبحت مهددة بعمليات هذه التنظيمات بحيث أضحي من المستحيل تجاهل الأمر لأن نتائجه ستكون وخيمة.

وفي فلسطين وإسرائيل، فقد جاءت التفجيرات التي حدثت مؤخرا عند مفترق التلة الفرنسية وفي بئر السبع لتعطي انطباعاً بأن ما يجري هنا هو امتداد لما يجري "هناك"؛ في العراق وروسيا وأماكن أخرى من العالم، مما سيكون له ارتدادات ضارة على القضية الفلسطينية وعلى الحركات الوطنية والإسلامية التي تنفذ هذه العمليات. ولعله من المفيد هنا، وقبل الاستطراد، التوضيح بأن هنالك مبادئ عامة يمكن الاسترشاد بها دائماً، ونتائج ليس من الصعب التنبؤ بها.

من ضمن هذه المبادئ ما تعلمناه من أن الإسلام ينهي عن التعرض للمدنيين والعزل من السلاح وينهي عن قتل الأسرى ، ولم يشهد التاريخ ما يدل على أن المسلمين قاموا بقتل الأطفال والنساء والشيوخ انتقاماً لممارسات أعدائهم. ومن هذه المبادئ، أن الرد على الجرائم التي تمارس بحق شعب ما، بما فيه الشعب الفلسطيني، لا يبرر الرد بنفس الطريقة لأن ذلك ينقل الصراع من سياقه السياسي الذي يهدف إلى الوصول إلى تسوية سياسية عادلة، إلى صراع هدفه الثأر والانتقام. في الوقت نفسه فإن القضايا العادلة تحتاج إلى وسائل عادلة لمخاطبتها من الجوانب القانونية والإنسانية، كما أن معركة صراع الأفكار في عصر أصبح للحوار فيه قوة تأثير وجذب كبيرة بين الشعوب تتطلب منا الدعوة للفكر الإسلامي كدين عدالة وحضارة وسلام، وهذه الممارسات هي نقيض ذلك.

أما نتائج هذه الممارسات، فستعكس الحقائق كما يراها العالم وليس كما نراها نحن. منها ضرورة القضاء على الحركات التي تمارس هذه الأفعال بكل الوسائل، واستمرار سياسة الدعم للأنظمة القمعية في العالم العربي لأن باستطاعتها القيام بهذه المهمة، وضرورة القيام بالحروب الاستباقية ضد الدول التي تدعم هذه التنظيمات وتأويها، ومراقبة المسلمين والتضييق على حرياتهم في الدول التي لا تسكنها غالبية مسلمة. باختصار، إن هذه الممارسات ستفرغ النزاعات الإقليمية من محتواها السياسي وسيتم التعامل مع إفرازاتها تحت يافطة "الحرب على الإرهاب"، مما سيشكل خطراً كبيراً على مصير القضايا العادلة.

فلسطينياً، فقد جرت عملية إعادة احتلال أراضي السلطة الوطنية وحصار الرئيس عرفات والمطالبة بتغير قيادته بذريعة هذه العمليات، ويجري بناء جدار الفصل بالتحجج بها، وانهيار معسكر السلام في إسرائيل كان بسببها. وحتى لا تذهب أفكار أحد لأبعد مما أريد، فإنني أوضح هنا بأن عمليات القتل التي تنفذها إسرائيل في المدن والأراضي الفلسطينية وعمليات الإذلال والإهانة التي يتعرض لها الفلسطينيون يومياً تشجع على تبني ردود فعل التي تنطلق من معادلة الثأر والانتقام. لكن ذلك يجب أن لا يقودنا إلى الاستنتاج بأن تلك الردود هي صحيحة، بل على العكس فهي تصب في الاتجاه الذي يريده اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى لحسم الصراع عبر سياسة الانفصال أحادية الجانب.

إن استمرار العمليات العسكرية داخل إسرائيل سيعزز الانطباع بأن الحركات الوطنية والإسلامية تنسق نشاطها مع التنظيمات التي تركب موجة الإسلام السياسي في مناطق مختلفة من العالم. وقد يستغل هذا الأمر لإحداث تغيير في الوعي الجماعي للمجتمعات الغربية تجاه قضيتنا بشكل سلبي، مما سيؤثر بالضرورة على مواقف حكوماتها ودفعها لممارسة ضغوط إضافية على القيادة الفلسطينية قد لا تتمكن من الصمود أمامها، في ظل انقسام واضح في الشارع الفلسطيني وفي أوساط التنظيمات الفلسطينية بشأنها. فغالبية أبناء الشعب الفلسطيني تريد للنضال الوطني أن يبقى منسجماً ومتوافقاً مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية.

إن إعلاناً غير مشروط ودائم من الحركات الوطنية والإسلامية بوقف عملياتها العسكرية داخل إسرائيل، سيسمح لها بالتمايز الضروري عن الحركات "الإسلامية" خارج فلسطين، وسيساهم ذلك في تقريب وجهات النظر بين فصائل الحركة الوطنية والإسلامية والسلطة، وسيمكنها جميعها من وضع أجنده موحدة لمواجهة المصير الموحد، بما في ذلك الاتفاق على شكل إدارة الصراع وعلى خطوات الإصلاح المطلوبة بما يخدم مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته.

إن الحركات الإسلامية والوطنية الفلسطينية لا يمكنها التهرب من هذا الاستحقاق أو إدارة الظهر له لأن نتائج ما يجري في العالم سيفرض نفسه بالضرورة على الجميع، والتمايز بمثل هذا الإعلان سيخدم القضية الفلسطينية دولياً وعربياً وسيجنب الشعب الفلسطيني مخاطر اقتتال داخلي يبدو للبعض بعيدا، لكنه وبالتأكيد ليس كذلك. فأي محاولة من قبل السلطة لتنفيذ الاستحقاقات المطلوبة منها في خريطة الطريق ستؤدي إلى شكل من أشكال الاصطدام لا يريده أحد، وبالتالي فإن مصلحة الشعب الفلسطيني تتطلب استباق الضغوط التي قد تفرض هذا الصدام الكريه. لذلك فمن الملح أن تنظر الحركات الإسلامية والوطنية في فلسطين إلى المستقبل وإلى الظروف المحيطة ومخاطر الاستمرار بنفس النهج، ليس عليها فقط وإنما على القضية الفلسطينية وعلى المجموع أيضا الذي يتحمل نتائج أفعالها.

انتظر مروركم الطيب وردودكم الاطيب

شكرا على الموضوع

شكرا على موضوعك ننتظر اطلالتك المشرقة ومواضيعك الساخنة

شكرا على الموضوع المميز

[b][i]موضوع جميل فعلا

شكرا لكي على هذا الموضوع الرائع
وللعلم انا من فلسطين أفتخر

وأتمنى ألا تحرمونا من مشاركاتكم المميزة