هل سبق لك أن شاهدت مقابر للكلاب!!!

لم تكن رحلتي هذه المرة لمشاهدة مقابر الفقراء ونقل مآسيهم! ولم تكن لمشاهدة مقابر الأغنياء "الفيف ستار" والتي بلغ سعر المقبرة الواحدة مليون جنيه، وإنما كانت لمقابر "الكلاب" التي أنشأها نادي شباب الجزيرة بمنطقة الجلف، إحدى أهم المناطق الراقية بمصر الجديدة!.
شعورٌ بالخجل والأسى انتابني إزاء هذه الرحلة التي لم أذق لها طعما سوى الذي تجرعته أثناء رحلتي السابقتين لمقابر الفقراء ب حي السيدة عائشة، ورحلتي لمقابر الأغنياء بمنطقة السادس من أكتوبر، غير أن هذه الرحلة ظننتها لاكتشاف مجهول ربما لا يعلم الناس عنها شيئا، وتسليط الضوء على حياة الترف التي جعلتهم يحتفلون بزواج كلب وطلاق آخر حتى يقيمون العزاء ويكتبون كلمات الرثاء في وفاة "كلب".
هذه ليست نكات! ولن يكتشف القارئ لهذه السطور أننا قد خدعناه في نهاية التقرير طلبا لقراءته، فالموضوع الذي نتناوله لا يحتاج إلي مشهيات أو حتى توابل، فبه من المشهيات ما يجعل القارئ يقرأه حتى النهاية، ويتفاعل مع كلماته كلٌ حسب تصوره ورؤيته.
هذه المقابر خصصت فقط لبعض من أولاد الذوات والأكابر، فهم أكثر الناس اهتماما بالكلاب أحياءً وأمواتاً.

عند دخولك هذه المقابر تشعر برهبة، فقد صمم المكان في فضاء كبير أحاط به صور ولافتات رخامية لكل متوفى معذرة كلب متوفى، هذه اللافتات الرخامية كتب عليها أبيات من الشعر والغزل في "الكلاب المتوفاة" طبعا.




كلمات الغزل تدغدغ مشاعرك، فهذه الكلمات لا تسمعاها إلا من أم تدلل طفلها الذي لم يبلغ عامه الثاني
عندما يداعبها في لحظة صفاء، دون أن يعكر صفوهما بكاء الطفل أو نحيب الأم على ألم أصاب هذا الطفل.

تجولنا بين المقابر التي تراصت في صفوف قائمة بعضها البعض لننظر عبارات الغزل! وحاولنا نقل بعض هذه العبارات كقول البعض على رأس مقبرة كلبه المتوفي "غدرت بي الدنيا وأخذتك مني فجأة، أموت عليك ولا أملك سوي دموعي، وحزني الذي يمزق قلبي، فأنت ابنتي وحبيبتي ونور عيني، فيا حب عمري افتقدتك بجنون، وحشتيني أوي".

باقات الورود تحيط أغلب المقابر، فهذه المنطقة لا تخلو من الزائرين ففيها، و على الرغم من رقي المكان تشعر أنك في محطة مصر من كثرة الزحام، فالزائرون لا يأتون بمفردهم، وإنما يصطحبون الأصدقاء حتى يشاركوهم نفس المشاعر الجياشة وبعضهم يصطحب كلابا أخرى كأخوة غير أشقاء للمتوفين.

كل قبر يحيط به اسم صاحبة المتوفى، فبين مشمش وبوبسي وكوكو وميكي تشاهد عبارات تخيل لك أنك أمام كلاب بذل أصحابها الغالي والنفيس عليهم أثناء حياتهم، وأيضا بعد مماتهم، فلا يوجد أفضل من "الجلف" مدفنا ولا يوجد أرقى من شكل هذه المقابر التي لو سمع بها بعض الفقراء من المصريين ساكني مقابر السيدة عائشة لغزوها لما من حلاوة ومنظر يأخذ العين والنفس فيجعلها تتوق إلى عالم الكلاب السفلي.
يوجد بين بعض المقابر وهو ما أثار انتباهنا، "أوتوجراف" به بيانات كل كلب وسلالته وتاريخ ميلاده ووفاته وأسماء بعض أصدقاء الكلب من الكلاب الحية ممن يريدون أن يعبروا عن مشاعرهم دون أن يستطيعوا لذلك
سبيلا.
حاولنا وسط هذه المشاعر أن ننتقل بين أصحاب المقابر نرصد فيها انطباعاتهم فبين بكاء "سالي" لفقد كلبها الوحيد "كوكو" منذ عام والتي تستعد لعمل تأبين له خلال أيام يحضره عدد من أولاد "كوكو" وبعض صديقاته من كلاب الحراسة ممن تربين معه على "مائدة" واحده بمصر الجديدة وضع أصدقاء "سالي" الكثير من باقات الورود على قبر الكلب الوحيد.

تقول سالي،: "إنني فقدت كلبي منذ عام تقريبا على أثر حادثة بعدما تجمع عدد من كلاب المنطقة وسط الليل وحاولوا الاعتداء على "كوكو" دون سبب، فعندما سمع أحد الضباط نباح الكلاب العالي تخيل وجود "حرامي" فقام بإطلاق أعيرته النارية التي أصابت "كوكو" وكلبين آخرين بنزيف في الرأس مات بعدها "كوكو" بعدما نقل إلى المستشفى بثلاث ساعات متأثرا بجروحه".
تضيف سالي، أنني سوف أظل حزينة طوال عمري على "كوكو" لأنه مات بدم بارد، ونتيجة خديعة كلاب المنطقة، وهذه الوفاة قد أثرت على كل كلاب المنطقة لمدة 3 شهور بعد الوفاة، وهذا الحزن شاهده كل من عاشر هذه الكلاب.

اقتربنا من "شوشو"، هذا الاسم ليس لكلب متوفى وإنما لصاحبة كلب كانت تلقبه بـ "كبكوبه"!
في البداية سألناها عن مغزى هذا الاسم فقالت: "أسماء دلع الكلاب لا تفسر فأنا أشعر بسعادة كما يشعر بها كلبي المتوفى عندما كان يسمع هذا الاسم، وعندما كنت أغيره أجده يتضايق ويتجاهلني".
قالت "شوشو"،: إنها تزور كلبها كل خميس من نهاية الأسبوع، وتحدد وقت الغروب لهذه الزيارة، مضيفة، أن زيارتها للكلب تضفي عليها نوع من الراحة، فهو يمثل لها رمز الوفاء المنقطع النظير الذي افتقدته بعد وفاة والدها.